كتاب تعريف عام بدين الإسلام-تعريفات-

تعريفات

   أدخل الاسم المراد البحث عنه 

 

لا بد لي في هذا الفصل الذي أعرّف فيه (العقيدة) من أن أعرض إلى توضيح بعض المصطلحات التي يكثر دورانها على ألسنة العلماء، وورودها في كتب العقائد، وهي: (الشك)، و(الظن)، و(العلم)، لأصل منها إلى تعريف العقيدة.

(ديكارت) في منهجه المشهور، ومن قبله (الغزالي) في "المنقذ من الضلال"، بدآ بالشك ليصلا منه إلى اليقين.  شك ديكارت، ليتخذ من الشك سبيلاً للتحقق.  فما هو الشك؟

إذا كنت في مكة مثلاً، وسألك سائل: هل في الطائف الآن مطر؟ لا تستطيع أن تقول: (نعم)، ولا تستطيع أن تقول: (لا).  لأن من الممكن أن يكون في الطائف في تلك الساعة مطر، ومن الممكن أن يكون الجو فيها صحواً لا مطر فيه، إمكان وجود المطر خمسون في المئة مثلاً، وإمكان عدمه خمسون، تساوى الطرفان فلا دليل يرجّح الوجود، ولا دليل يرجح العدم.  وهذا هو الشك.

فإن نظرت وأبصرت في جهة الشرق (والطائف شرقي مكة) غيوماً تلوح على حواشي الأفق من بعيد، رجح عندك رجحاناً خفيفاً أن في الطائف مطراً.  وهذا الرجحان الخفيف لإمكان الوجود، هو ما يسمونه (الظن).  فأنت تقول: أظن أن في الطائف الآن مطراً، فالظن: ستون في المئة مثلاً (نعم)، وأربعون (لا).

فإن رأيت الغمام قد ازداد وتراكم، واسودّ وتراكب، وخرج البرق يلمع من خلاله، وازداد ظنك بنزول المطر في الطائف، فصار لـ (نعم) سبعون أو خمس وسبعون في المئة، كان هذا ما يسميه علماؤنا بـ (غلبة الظن)، فأنت تقول لسائلك: يغلب على ظني أن في الطائف الآن مطراً. 

فإن أنت ذهبت إلى الطائف، فرأيت المطر بعينك، وأحسست به على وجهك، أيقنت بنزوله، وعلماؤنا يسمون هذا اليقين (علماً).

فصار لكلمة (العلم) معان: (العلم) المطلق الذي يقابل الجهل، و(العلم) الذي يقابل الفن والفلسفة.  فالكيمياء علم، أما الرسم فهو فن، والشعر فن.  والعلم بهذا المعنى هو الذي تكون غايته الحقيقة، وأداته العقل، ووسيلته المحاكمة، والتجربة، والاستقراء.  والفن هو الذي تكون غايته الجمال، وأداته الشعور، ووسيلته الذوق.

و(العلم) الذي يجيء بمعنى اليقين، ويقابل الشك والظن، هو الذي نقصده في هذا البحث[1].

العلم الضروري والعلم النظري:

العلم الذي يحصل بالحس والمشاهدة، لا يحتاج إلى دليل.  الجبل الذي تراه أمامك لا تحتاج إلى إقامة الدليل على وجوده، إنك تعلم –ضرورة- بأنه موجود، وكل من يراه (من العقلاء) يعلم أنه موجود وهذا ما يسمى (العلم الضروري).

أما العلم بأن مربع الوتر (في المثلث القائم الزاوية) يساوي مجموع مربعي الضلعين القائمين، فيحتاج إلى دليل عقلي.  فالعالم أو طالب العلم الذي يصل إلى الدليل، يعلم هذه الحقيقة، أما العامي الجاهل فلا يعلمها، ولا يصدق بها، ما دام لم يطلع على هذا الدليل.  ولو رأى المثلث أمامه، ولو أقيم على كل ضلع منه، مربع له.  وهذا ما يسمى (بالعلم النظري)، وهو الذي لا يحصل إلا بالدليل العقلي.

البديهية والعقيدة:

ومن العلم النظري ما يحتاج في الأصل إلى دليل، ولا يدرك بمجرد الحس والمشاهدة، ولكنه يعمّ ويشتهر، حتى يدركه العالم والجاهل، والكبير والصغير، وحتى يصير أقرب إلى (العلم الضروري).  مثاله: العلم بأن (الجزء أصغر من الكل)، الرغيف الناقص أصغر من الكامل، هذه حقيقة هي في الأصل من العلم النظري الذي يحتاج إلى دليل، ولكنك لا تجد من يشك فيها، ويطلب الدليل عليها، فالطفل إذا أخذت منه كف (الشكلاطة) الكامل، وأعطيته كفاً ناقصاً لا يقبله، وإذا حاولت إقناعه بأن هذا أكبر لم يقنع، لأن كون (الجزء أصغر من الكل) بديهية.

و(مقولة الهُوّيّة) –أي كون الشيء نفسه- بديهية، ولو قال لك قائل: (أثبت لي أن هذا القلم الذي تحمله بيدك ليس ملعقة شاي).  تقول له: (هذه بديهية، لا تحتاج إلى إثبات لأن القلم قلم).

فالبديهيات[2] هي الحقائق العقلية التي يقبلها الناس جميعاً، ولا يطلب أحد عليها دليلاً، فإذا دخلت البديهية العقل الباطن، واستقرت فيه، وأثرت في الحدس والشعور، ووجهت الإنسان في تفكيره (عقله الواعي)، وفي أعماله، سميت: (عقيدة)، وسمي الاعتقاد بها (إيماناً).

ولكنا نعرف أن الإنسان يعتقد الحق أحياناً، ويعتقد الباطل حيناً، ونشاهد في هذه الأيام، من أتباع المذاهب المنحرفة والمبادئ الباطلة، من امتزج بها قلباً وقالباً، وتمسك بها ظاهراً وباطناً، وبذل ماله ونفسه في نصرتها وحمايتها، فهل نسمي هؤلاء (مؤمنين)؟

أما إطلاقاً فلا، ولكن يمكن أن نطلق عليه اسم الإيمان مضافاً إلى الباطل الذي يؤمنون به، على نحو قوله تعالى:

(ألمْ تَرَ إِلى الَّذِينَ أوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بالْجِبْتِ والطَّاغوتِ).

ويمكن إطلاق اسم الإيمان مقيَّداً بالوصف، نحو قوله تعالى:

(وَمَا يُؤْمِنُ أكْثَرُهُمْ باللهِ إِلاَّ وَهُم مُشركُونَ).

أما (الإيمان) بالمعنى الخاص، الذي لا ينصرف إذا أُطلق إلا إليه، ولا يدل إلا عليه، المعنى الذي يراد كلما ورد ذكر الإيمان ومشتقاته، في الكتاب والسنة، وعلى ألسنة العلماء، فهو:

                                        ·  الاعتقاد بالله رباً واحداً.

                                        ·  ومالكاً مختاراً متصرفاً.

                                        ·  وإلهاً مفرَداً بالعبادة، لا يشرك معه غيره في كل ما هو من جنس العبادة.

                                        ·  والاعتقاد بكل ما أَوْحى به إلى نبيه، من: خبر الملائكة، والرسل، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره.

وصاحب هذا الاعتقاد هو (المؤمن)، فإن نقص[3] شيئاً منه، أو ردّه، أو تردد في تصديقه، أو شك فيه، فَقَدَ صفةَ الإيمان، ولم يَعُدْ يُعَدُّ مع المؤمنين.



[1] أما العلم بالمعنى الخاص: كقولنا (علم النحو)، و(علم الكيمياء)، فلعلمائنا فيه تعريفات كثيرة، ولكن أوضح تعريف وأبعده عن التعقيد، هو ما عرفه به (سارتون) بقوله: "العلم هو مجموعة معارف محققة ومنظمة ..".  فبقوله (معارف) خرجت المشاعر والخيالات، وبقوله (محققة) خرجت النظريات والفروض، وبقوله (منظمة) خرجت المعارف المبعثرة المتفرقة.

[2] القياس أن نقول في النسبة إلى البديهية (بدهي)، لكن علماءنا استعملوا من القديم كلمة (بديهي) و(طبيعي)، كما يستعملها جمهور الناس اليوم، وأنا أستعمل العامي الفصيح، تنبيهاً على فصاحته، وقد نبهت في حواشي كتبي إلى عشرات وعشرات من هذه الكلمات.

[3] نقص شيئاً منه بمعنى أنقص.  

 

-------------------------------------------------------------------------------------

لمراسلتنا ||الصفحة الرئيسة|| أفضل المواقع العربية ||أفضل ألف موقع عربي

موقع الجميع

البقية قريباً